من هو النبي شيث عليه السلام ؟
النبي شيث نبيٌّ من أنبياء الله -عليهم السلام- هو ابنُ سيِّدنا آدم -عليه السلام-، ثالثُ أبناء آدم وحواء -عليهما السلام-، وهو أخو قابيل وهابيل، فبعدَ أن قتل قابيل أخاه هابيل، قال تعالى : "فطوَّعتْ له نفسُه قتلَ أخيه فقتَلَه فأصبَحَ مِن الخَاسِرين" [١]،
رزقَ اللهُ آدمَ وحواء ولدهما شيث تعويضًا لهما وجبرًا لقلبيهما بعد معاناتهما التي عانوها في مقتل ولدهما هابيل على يدِ أخيه قابيل، وفي هذا المقال حديثٌ عن نبيِّ الله شيث -عليه السلام- وذكرُ بعض ما تضمَّنَته قصته من عِبر.

قصة النبي شيث -عليه السلام-

هو نبيٌّ من أنبياء الله بعد آدم وقبل إدريس -عليهم السلام أجمعين-، ومعنى اسم شيث : هو هبةُ الله أو أعطيةُ الله أو البديل لأنَّ الله بعدَ أن قتلَ قابيل أخاه هابيل رزقَ آدمَ -عليه السلام- هذا الولدَ الصالحَ تعويضًا له فسُمِّيَ بذلك، وقد كان بارًّا بوالديه كثيرًا فعلَّمه آدمُ ما كان لديه من علم، لأنَّ سيدنا آدم -عليه السلام- علَّمه الله تعالى من علمِه قبل أن ينزلَه إلى الأرض، قال تعالى: "وعلَّم آدمَ الأسماءَ كلَّها" [٢]،
وعندما حضرت الوفاةُ لسيدنا آدم -عليه السلام- أوصى ولده شيث بأمرِ قومه وأن لا يخبرَ أخاه قابيل عن ذلك لأنَّه كان حسودًا.

وتوفيَ آدم ودفنته الملائكة وتولَّى -عليه السلام- أمرَ قومه بعد وفاة أبيه، وبعد سنة توفِّيت حواء ودفنها بالطريقة نفسها التي دَفَنَت الملائكة بها أباه، وقد وردَ في الحديث الطويل الذي رواه أبو ذر الغفاري أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال فيه : "أُنزِل على شيث خمسونَ صَحيفة" [٣]، وقيلَ إنَّه بنى الكعبة بالحجارة والطين وبقيَ يحجُّ ويعتمر في مكة حتى مات [٤].

نبوة شيث عليه السلام

حين حضرت الوفاةُ آدم عليه السلام، عهد لولده شيث بأمر بنيه، وأوصاه على أمورهم والقيام بشؤونهم، فتولى عليه السلام أمر المسلمين، وعندما توفيت أمه حواء بعد وفاة زوجها بسنة، تكفل بأعمال دفنها بالطريقة التي علمتهم إياها الملائكة عندما دفنت أباه، ثم أخذ يشرِّع للبشرية أمور الدين، ويبين لهم الحلال والحرام، حتى إن الله أنزل عليه 50 صحيفة ، روى أبو ذر الغفاريّ رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أُنزل على شيث خمسون صحيفة) رواه ابن حبان.

وصار الناس يمتثلون إلى شريعته وشريعة أبيه عليهما السلام، ومما شرع لهم تحريم الاختلاط بقوم قابيل، لما كان من فساد أمرهم، وسوء أخلاقهم، والتزموا بأمره بعدم التوجه إلى السهول والاختلاط بقوم قابيل، امتثالاً لهذا التشريع الرباني من نبي الله شيث، الذي بقي الناس ممتثلين له، حتى توفاه الله تعالى، فعُهد أمر الناس بعده إلى ابنه أنوش، ولم يبعث الله تعالى نبيا بعده مباشرة، بل بقي الناس دون نبي، متبعين ما شرع لهم هذا النبي الكريم، وأبوه آدم عليهما سلام من الله.

بداية العصيان

مع غياب الأنبياء بعد وفاة أنوش، أراد الشيطان أن يوقع المعاصي في بني آدم، ويستميلهم ليعصوا الله تعالى، ويطيعوا هوى أنفسهم، ليكون ذلك بداية العصيان في الأرض، والخروج عن أمر الله تعالى، فذهب إلى قوم قابيل في السهول لِما يُعرف عنهم من ميل للباطل، وبعدٍ عن القوم الصالحين، فتشكل لهم بهيئة غلام، وعمل أجيراً لدى رجل منهم، وبعدها بزمن أخذ يبتكر لهم الأمور الغريبة..

وأشكال اللباس المتنوعة، فكان كما يقال في عصرنا الحالي «من يبتكر لهم الموضة»، ثم جعل لهم عيداً يجتمعون فيه، فتتبرج النساء للرجال، وصنع لهم مزماراً كمزامير الرعاة، وأخذ يزمر فيه بصوت جميل لم يُسمع مثله من قبل.

في تلك الأثناء أخذ الصوت ينتقل في الهواء، حتى اقترب من الجبال، فسمعه بعض قوم آدم من ضعيفي النفس، ولفتت غرابته انتباههم، فأخذوا يقتربون من ديار قوم قابيل، ويراقبونهم من بعيد، ويستمعون إلى مزاميرهم، لكنهم انتهوا عن عصيان ما في شريعة شيث عليه السلام، واكتفوا بالاستماع والمشاهدة من بعيد.

النبي شيث وأول حادثة زنا
عندما تولَّى شيث بن آدم -عليهما السلام- أمرَ قومِه بعد وفاة أبيه، منعَ قومه من الاختلاط بقومِ أخيه قابيل، فقد سكنَ هو وقومه في الجبال، أمَّا قابيل وقومه فقد سكنوا السهول، إلا أنَّ أحدَ الرجال تسلَّلَ وخالف أوامرَ سيِّده فنزلَ ورآى النساء وجمالهنَّ بعكس رجال السهول الذين لا يملكون جمالًا ورآى ما عليه القوم من لهوٍ وملاهي، فرجعَ وأخبرَ عددًا من رجال قومِه الذين يسكنون في الجبال التزامًا بأوامر نبيِّ الله -عليه السلام- وقد كانوا أجمل من رجال قوم قابيل لأنَّهم يسكنون الجبال بعكس نسائهم فنزلوا وخالفوا أمرَهُ أيضًا، فافتتنوا بالنساء وفُتنت بهم نساءُ قومِ قابيلَ ووقعت الفحشاء بينهم في ذلك الوقت، وكانت أوَّلُ حادثة زنا في تاريخ البشرية [٥].

مضامين قصة شيث عليه السلام

يُستَوحى من قصته -عليه السلام- أنَّ الله تعالى لا بدَّ أنْ يعوِّضَ المؤمنَ خيرًا عمَّا فقَدَ، فعندما قُتلَ هابيلُ رزقَ الله تعالى آدمَ ولدًا هبةً من الله وتعويضًا عن ولده هابيل، وجعله من الصالحين وهذه ثمرة الإيمان بالله تعالى والعمل الصالح، وفي قصته -عليه السلام- أيضًا أنَّ على المؤمنين أنْ يلتزموا بأوامر سيِّدهم الصالح فالمخالفةُ لا بدَّ أنْ تجرَّهم إلى الهلاك لا محالة كما حدثَ في أول حادثة زنا قام بها رجال شيث -عليه السلام-، وأنَّ طاعة الله تعالى فوق كلِّ الأهواءِ والنزوات، قال تعالى: "يَا أيُّها الَّذينَ آمنُوا أطيعُوا اللهَ وأطيعُوا الرسُولَ وأولِي الأمرِ مِنكُم" [٦] [٧]

أقام سيدنا شيث بمكة يحج ويعتمر إلى أن مات، وقيل إن شيثًا لما مرض أوصى إلى ابنه أنوش، وقيل دفن مع أبويه ءادم وحواء عليهما السلام في غار بأبي قبيس في مكة، ويقال إنه دفن بقرب مسجد الخيف بمنى.

قال المؤرخون: قام أنوش بعد وفاة أبيه شيث على منهجه من غير تبديل ولا تغيير ثم بعده ولد قَيْنَان، ثم من بعده ابنه مهلاييل وهو الذي يزعم الأعاجم من الفرس أنه ملَك الأقاليمَ السبعة، ثم بعده ابنه يَرْد فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده أخنوخ وهو إدريس عليه السلام على المشهور.

ويروى أنه إلى شيث يرجع أنساب بني ءادم كلهم اليوم، وذلك أن نسل سائر ولد ءادم غير نسل شيث انقرضوا وبادوا لم يبق منهم أحدٌ، والله أعلم.
"سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك "
تعليقات
إرسال تعليق